الحوكمة الجامعية
د. علي الشرفات
(أستاذ مشارك: جامعة جرش)*
احتوى دليل قياس معايير ضمان الجودة لمؤسسات التعليم العالي في الأردن لعام 2016، والصادر عن هيئة اعتماد مؤسسات التعليم العالي وضمان جودتها في الأردن، معايير ضمان جودة التعليم العالي المعتمدة والمؤشرات المتفرعة عنها الواجب توفرها في مؤسسات التعليم العالي في الأردن لغايات حصول هذه المؤسسات على شهادة ضمان الجودة وصولا إلى الهدف الأسمى المتمثل بتحسين نوعية التعليم العالي في المملكة وضمان جودته، بحيث تصبح مؤسسات التعليم العالي الوطنية قادرة على منافسة مؤسسات التعليم العالي اقليميا وعالميا. احتوى الدليل المشار إليه اجراءات قياس ثمانية معايير تم اقرارها من قبل الهيئة هي التخطيط الاستراتيجي، والحوكمة، والبرامج الأكاديمية، والبحث العلمي والايفاد والابداعات، والمصادر المالية والمادية والبشرية، والخدمات الطلابية، وخدمة المجتمع والعلاقات الخارجية، وإدارة ضمان الجودة.
على الرغم من تساوي هذه المعايير الثمانية في الأهمية، فلعله من الأهمية بمكان الإشارة إلى المعيار الثاني الخاص بالحوكمة (Governance) ، وتحديدا حوكمة الجامعات، لمسؤولية هذا المعيار بالدرجة الأولى عن تحقيق المعايير الأخرى، ولما لهذا المعيار من مكانة قد يتفوق فيها على غيره من المعايير، ولاتصال جميع المعايير الأخرى بمخرجات هذا المعيار بشكل أو بآخر.
يعبر مفهوم الحوكمة في الجامعات عن الكيفية التي تدار فيها هذه الجامعات، ويعتبر تطبيق هذا المفهوم في الجامعات ضرورة ملحة لما تواجهه هذه الجامعات من متطلبات يجب تلبيتها تتعلق بالبيئة خارج الجامعة وبالبيئة داخل نفس الجامعة. والحوكمة الجامعية تعني وضع معايير وآليات حاكمة لأداء كل أعضاء الأسرة الجامعية من خلال تطبيق الشفافية وأساليب قياس الأداء ومحاسبة المسؤولين ومشاركة جميع الأطراف في الجامعة في عملية صنع القرار وتنفيذه بصورة صحيحة. والحوكمة الجامعية تعني توجيه أنشطة الجامعة وإدارة إداراتها وكلياتها ومتابعة تنفيذ خططها الاستراتيجية لإيصالها إلى وضع تتميز فيه عن غيرها في الأداء.
تشكل الحوكمة الجامعية نظاما يركز على تميز وجودة الإدارة الجامعية ومدى قدرتها على رفد الجامعة بالقدرات التي تجعلها مؤهلة لتنافس غيرها من الجامعات مع المحافظة على استقلاليتها. هذا النظام يعني كيفية جعل الجامعة مصدرا للتميز وجودة الأداء، ومركزا للإنتاج العلمي لكل القطاعات المكونة للمجتمع، ومؤسسة بناء وتنمية للكوادر البشرية، ومنبعا لفتح آفاق جديدة من الإنجاز لمواكبة الاحتياجات المتطورة في المجتمع والتطورات الإقليمية والعالمية. ولهذا النظام مجموعة من العناصر التي إما أن تجعله قادرا على تحقيق أهدافه بتحقيق التميز في الأداء أو تجعله عاجزا عن تحقيق أدنى إنجاز في طريق حصول الجامعة على شهادة ضمان الجودة. هذه العناصر تشمل المحيط الداخلي والمحيط الخارجي. المحيط الداخلي (الإطار البيداغوجي) يضم أربعة مكونات أساسية تتمثل في الطلبة وهيئة التدريس ومدراء الدوائر والموظفين، بينما يشمل المحيط الخارجي الوزارات والمؤسسات ذات العلاقة خاصة وزارة التعليم العالي والمحيط الاقتصادي (سوق العمل) والمحيط الاجتماعي (المجتمع بمكوناته).
للحوكمة الجامعية الرشيدة مبادئ تحدد العلاقات بين الأطراف المختلفة في الجامعة، ومن أهم هذه المبادئ المشاركة والفاعلية والشفافية والصدق والثقة ومراعاة قيم المجتمع. هذه المبادئ التي تمثل إطار العمل هي في الواقع العناصر التي تحكم أدوار الأطراف في الجامعة وتوجه أداءهم نحو تحقيق أهداف الجامعة، ويسبب غياب هذه المبادئ اختلال توازن العمل وظهور عدة سلبيات تتمثل في ضعف المشاركة وعبثية الفاعلية وانعدام الصدق في التعامل واضمحلال الثقة، الأمر الذي ينعكس سلبا على أطراف البيئة الجامعية مما يؤدي إلى تراجع مستوى الجامعة وعدم قدرتها على ارتقاء سلم المنافسة نحو ضمان الجودة. كما أن عدم التقيد بمبادئ الحوكمة الجامعية الرشيدة يؤدي إلى فقدان القيم العلمية والأخلاقية على مستوى الجامعة والمجتمع، وينعكس هذا في دخول بعض أعضاء الجسم الجامعي في روتين يجمد أي نشاط إداري وعلمي ليحل السعي وراء المكاسب من قبل هذا البعض مهما كان الثمن بدلا من السعي لتميز الجامعة في أدائها.
تُعد الحوكمة الجامعية الرشيدة إصلاح حقيقي للجامعات من خلال تهيئة أفضل الظروف الممكنة للتعليم والبحث العلمي، وضمان التناسق في مراحل صنع القرارات على مختلف المستويات في هذه الجامعات، وصقل الخبرات الإدارية على مستوى المجالس واللجان في الجامعات لضمان المشاركة في اتخاذ القرارات الهامة، وتحديد مكامن القوة والضعف وكشف مجالات المخاطر والفرص في الجامعة، والتأكد من تأدية الأفراد للواجبات الموكلة إليهم بكل صدق وأمانة، وضمان وجود كل فرد في المنظومة الجامعية في مكانه الصحيح فقط بناء على كفاءته العلمية والأخلاقية.
من أهم المجالات التي تشكل حوكمة جامعية رشيدة ممارسة السلطة الممنوحة لشاغلي المناصب في الجامعة على اختلاف مواقعهم بشكل يتماشى إلى أقصى حد مع مبادئ الحوكمة الرشيدة، واستشارة غيرهم من ذوي العلاقة بمسائل وقضايا الجامعة، ووجود هيئات تمثيلية مهنية وطلابية على مستوى كليات ومجالس الجامعة وعلى مستوى المحيط الخارجي للجامعة، ووجود أدوات لتقييم الأداء على مستوى الأقسام والكليات والجامعة ككل بصفة دورية وبمشاركة الأطراف المعنية، والخضوع للمساءلة، والتعامل بشفافية في اتخاذ القرارات، وبناء الحوار الأكاديمي الديمقراطي.
* alijerash@gmail.com