كانت الطيور عبر العصور وسيلة للتواصل وخاصة بين المحبين عن طريق الحمام الزاجل, واحتل ذلك مكاناً بارزاً في اللاوعي لدينا واختزن في ذاكرتنا الشعبية ائتمان الطيور على أسررنا وخفايا نفوسنا. والحديث بهذه السطور ليس عن صوت فيروز وأغننياتها التي أطربت أجيال متعاقبة, فهذا له أهله من المتخصصين به, وإنما هنا للتعريف ببعض الطيور التي صدحت بها حنجرة السيدة فيروز أطربتنا بها وجعلت هذه الطيور أكثر جمالاً في عيوننا. والطيور في أغنيات فيروز مرسال للمراسيل تناجيها محلقة بأطراف الدني.
. تم تسجيل ما يزيد عن 300 نوع من الحَمَام منها عشرات الأنواع تستوطن الوطن العربي أو تمر بسمائه مهاجرة من الشمال للجنوب. ويبدأ الحَمَام في البحث عن طعامه وشرابه في الصباح الباكر وغالبًا ما يستريح خلال فترة الظهيرة، ثم يستأنف بحثه عن مزيد من الطعام والشراب ثم لا تلبث عائدة لأعشاشها قبل حلول الظلام.
ويعتقد العلماء أن معظم سلالات الحمام الأليف انحدرت من يمام الصخر البرِّي. ويلازم ذكر الحمام أنثاه ويقترن بها مدى الحياة، ويغازلها بمداعبتها بمنقاره وهي رانية إليه. ويتبادلان تنظيف الريش، كما يُطْعِم الذكر أنثاه بعض الحبوب. ويستمر الغزل بضعة أيام، ثم يحدث التزاوج. وأشهر أنواع الحمام الغزار والشامي والكرزلي والرمية والزاجل حامل الرسائل. ولهذا النوع قدرة ملحوظة على العودة لأبراجه التي تَرَبَّى فيها مهما بعدت المسافات بينه وبينها. وأفضل من كتب عن الحمام هو الجاحظ في كتابه “الحيوان”. وقد كان للحمام نصيب الأسد في أغنيات فيروز أشهرها ” طير وعليي يا حمام” وأغنية “طيري طيري يا حمامة”. وكماغنت لليمامة في أغنيتها المشهورة “سني عن سني”.
وكما كان للعصافير وزقزقاتها ضمن طبيعة هادئة خلابة, حضوراً خاصاً في أغنيات فيروز كعصفور الجناين في أغنية “جايبلي سلام” والعصفورة البيضاء في أغنية “أنا لحبيبي وحبيبي إلي” وكما غنت للعصفورة الغريبة علي بيادرنا في أغنية “قبل طيور البرية ” وأغنية “طل الصباح وتكتك العصفور”. وتغرد العصافير بصوت أقوى في المناطق المسكونة وخاصة المدن أكثر من غيرها وذلك حتى تتغلب على الضجة.
وكما غنت فيروز لطائر الحسون كما أطربتنا في أغنية “غرد الحسون”. ويمتازالحسون بصوت غذب جميل وتغريد مستمر وجمال ريشه بألوانه المتعددة. ويشاهد الحسون في مناطق الأشجار الكثيفة كالغابات والبساتين وحقل الحبوب. وتجري مسابقة سنوية في المغرب الشقيق لأفضل صوت حسون تشارك به اسبانيا وبعض الدول الأوروبية.
واستمتعنا بجمال طائر الوروار في أغنية ” دخلك يا طير الوروار”. ويمتاز الوروار بألوانه الزاهية الأخضر والأصفر والأزرق وبطانة جناحه كستنائية اللون وأعلى الذيل أزرق رمادي. ويتعاون الزوجان في إعداد العش في حفر الصخور أو الجروف الطينية. وتضع أنثى الوروار خلال شهري أيار وحزيران 4-7 بيضات بيضاء اللون حيث يتعاون الأبوان في حضنها 19-20 يوماً. ويتغذى الوروار على الحشرات الطائرة خاصة النحل والدبابير والبعوض والذباب والجنادب. وتخشى النحل مغادرة خلاياها خلال فترات وجوده بالقرب منها وتبقى مختبئة في خلاياها ما دامت تسمع صوته ولهذا يكمن لها بين أغصان النباتات المزهرة. وقد يصل ما يتناوله هذا الطير يومياً حتى 200 نحلة يصطادها أثناء الطيران.
وغنت فيروز للبلابل والعندليب كما في أغنيتها الشهيرة ” سنرجع يوماً لأرضنا” للشاعر الفلسطيني المشهور هارون هاشم رشيد الذي وافته المنية قبل أسابيع في كندا. ومن أبيات قصيدته:
سنرجع يوماً إلى حينا ونغرق في دافئات المنى
سنرجع خبرني العندليب غذاة التقينا على منحنى
بأن البلابل لما تزال هنالك تعيش بأشعارنا
ينتمي العندليب إلى فصيلة الطيور صائدة الذباب ويعيش في التشققات الموجودة في الأبنية ويبني عشه من القش وتبيض أنثاه العديد من البيض. ويتغذى على الديدان والحشرات وعلى الحبوب. وله صوت الذكر مشهور جدا وعال ومتنوع التصفير خاصة في موسم التكاثر. بالرغم من انه يغني طول النهار, فهو يغني بصورة غير عادية بالمساء ويجعل هذا تغريده بارزا لأن القليل من العصافير تلك التي تغني في مثل هذا الوقت.
وكان الديك بارزاً في أغنيات فيروز كما يتجلى ذلك في أغنيتها: الحلوة دي قامت تعجن في البدرية والديك بينده كو كو كو كو بالفجريه. والديك رمز القوة والنباهة والذكاء والغرور. وكما يرتبط الديك بالحد الفاصل بين ظلام الليل ونور النهار بسبب صياحه في تلك الفتره. ويعتقد البعض بأن صوت الديك يطرد الجن وبعض الأرواح الشريرة. ويرمزالديك في تراثنا لقوى الخير وصياحه في الفجر رمزاً لزوال الظلام. وفي نفس الوقت الديك هو رمزاً للزينة والغرور بسبب ريشه الجميل وعرفه الذي يميزه عن باقي الطيور.
ولم يكم الديك سادياً كما كان في قصيدة “الديك والدجاجة” لنزار قباني حيث يقول:
في حارتنا ديك سادي سفاح ينتف ريش دجاج الحارة كل صباح
دامت طيوركم مغردة وأطال بعمر فيروز أيقونة الطرب العربي