يقدر علماء البيئة أن 40٪ من حالات الوفيات تعود بشكل أو بآخر للتلوث البيئي, يزيد نصيب الأطفال منها على النصف. وتشير تقديرات برنامج الأمم المتحدة للبيئة (يونيب) ومنظمة اليونسيف بأن تلوث البيئة مسئول عن 80٪ من أمراض الأطفال وأن تلوث الهواء الخارجي يقتل سنوياً أكثر من 1.3 مليون طفل بينما التلوث داخل المنازل مسئول عن وفاة أكثر من مليوني طفل سنوياً. كما توضح سجلات الدوائر البيئية أن تلوث المياه يقتل طفلاً كل ثمان ثواني معظمهم بسبب النزلات المعوية الناتجة من شرب واستخدام المياه الملوثة. وإذا ما أضفنا إلى الأرقام السابقة أكثر من 6 ملايين طفل يحصدهم سوء التغذية سنوياً لأدركنا الضغوط الخفية على أطفالنا من قبل التلوث البيئي.
علينا اإدراك حقيقة أن التلوث البيئي لا يفرق بين الأطفال وغيرهم إلا أن طبيعتهم الحساسة والنامية وطبيعة المراحل التي يمرون بها تجعلهم أكثر عرضة لفتك ملوثات البيئة بهم. تقتل أمراض الجهاز التنفسي الحادة عند الأطفال التي تنشأ بشكل أساسي من ملوثات الهواء حوالي 4.2 مليون طفل سنوياً ويشكل هذا حوالي ربع حالات الوفيات بسبب أمراض الجهاز التنفسي. ويموت في الهند وحدها سنوياً حوالي 650 ألف طفل تحت سن الخامسة بسبب أمراض الجهاز التنفسي الناجمة عن تلوث الهواء. ويصل في الولايات المتحدة الأمريكية عدد الأطفال الذين يعيشون في ظروف فقر والتي عادة ما يلازمها التلوث البيئي إلى حوالي ثلاث ملايين طفل, ويشكل هذا الرقم 15٪ من نسبة الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية.
تعزو منظمة الصحة العالمية 23٪ من مجمل الوفيات المبكرة إلى أسباب بيئية، بينما تصل هذه النسبة بين الأطفال، من عمر يوم واحد وحتى 14 سنة، إلى 36٪. وقد صدر حديثا التقرير الخاص عت تلوث الهواء في العالم (State of the Global Air) من قبل معهدين أميركيين هما (Institute for Healthcare) ومعهد (Health Matrix Evaluation)أن تلوث الهواء هو رابع مسبب للوفيات في العالم حيث تسبب عام 2019م في وفاة 7 ملايين شخص بينهم 476 ألف مولود جديد، غالبيتهم في الهند وأفريقيا جنوبي الصحراء الكُبرى. وأوضحت الدراسة أن السبب الكامن وراء هذه الوفيات في غالبية الحالات هو الملوثات المنبعثة من الوقود المستخدم للطبخ. وتوفي في الهند في الشهر الأول من الولادة في عام 2019م أكثر من 116 ألف رضيع بسبب تلوّث الهواء و236 ألفا في إفريقيا لا سيما جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا. وهناك مؤشرات قوية تربط بين تعرض الأمهات أثناء الحمل لملوثات الهواء المنبعثة من وقود الطهي خلال فترة الحمل وارتفاع خطر ولادة الأطفال قبل الأوان أو ولادات بوزن منخفض للغاية.
يعتبر الرصاص أحد ملوثات الهواءالأساسية وهو مادة سامة تدخل الجسم عن طريق الاستنشاق أو الابتلاع مع الطعام والمشرب وحتى عن طريق الجلد ومن ثم تنتشر في الجسم وتتراكم في أنسجة الدماغ والكبد والكلى والعظام. وقد حذرت الأمم المتحدة مؤخراً من أن نحو 800 مليون طفل على مستوى العالم يعانون من التسمم بالرصاص، بسبب تلوث الهواء والمياه بهذا المعدن. وكما أشار تقرير صدر بداية شهر أكتوبر من هذا العام (2020م) عن اليونسيف ومنظمة “Pure Earth” غير الحكومية أن نصف أطفال جنوب آسيا هم ضحايا تلوث البيئة بالرصاص بسبب إعادة تدوير بطاريات السيارات التي تحتوي على الرصاص بصورة غير مهنية. وأفاد التقرير أن نحو طفل من كل ثلاثة في العالم لديهم مستوى من الرصاص في الدم يساوي أو يزيد عن 5 مَيكروغرام لكل ديسيلتر(100سم3)، وهو المستوى الذي يبدء عنده التأثير السمي للرصاص. كما ربط التقرير بين تسمم الأطفال بالرصاص بشكل واضح في البلدان التي يغيب بها عادة تدوير بطاريات الرصاص للمركبات وهي ذات البلدان التي شهدت زيادة في عدد المركبات بثلاثة أضعاف منذ عام 2000م. ويتم التعامل مع بطاريات الرصاص بهذه البلدان بتفريغ حموضها وغبار الرصاص منها في مدافن أرضية والعمل على إذابة الرصاص المستعاد في أفران بدائية مفتوحة تنبعث منها أبخرة سامة تنشر جسيمات الرصاص في الهواء والبيئة المحيطة. وكما تشكل الأنابيب المعدنية المحتوية على الرصاص والمستخدمة في نقل المياه للمنازل إضافة إلى استخدام الدهانات والأصباغ المحتوية على الرصاص مصادر أخرى له ليهدد حياة البشر لا سيما الأطفال منهم.
وتجدر الإشارة أن أعراض تسمم الأطفال بالرصاص بمراحله الآولى لا تظهر معه أعراض مبكرة حيث يعمل الرصاص بصمت على إنهاك صحة الأطفال والحد من نموهم، مع عواقب قد تكون مميتة بسبب التسمم بالرصاص. ويؤدي التعرض الحاد أو المزمن لمستويات عالية إلى اضطرابات في الجهاز الهضمي أو الكلى أو تلف في الجهاز العصبي أو تشوهات تناسلية وحتى التسبب بمرض التوحد. وتكون معاناة الأطفال لمن لم يكتمل نمو جهازهم العصبي شديدة خاصة بسبب ميلهم إلى وضع الأشياء في أفواههم لا سيما الدهانات المتساقطة من الجدران والأبواب والشبابيك المهترئة.