في سبق علمي حققه فريق بحثي من المركز الوطني للبحوث الزراعية وجامعتين أردنيتين، صرح مدير عام المركز الوطني للبحوث الزراعية ورئيس الفريق البحثي الدكتور نزار حداد أن زيتون “المهراس”، في منطقة الميسر في بلدة الهاشمية التابعة لمحافظة عجلون، يُعتبر من أقدم السلالات الجينية للزيتون في مناطق حوض البحر المتوسط، حيث بيّنت تحاليل الخريطة الجينية للمهراس أنها الأقرب جينياً لتكون الأصل لزيتون كل من إسبانيا وإيطاليا وقبرص والواقعة مع المهراس ضمن ذات المجموعة الوراثية بحسب مُخرجات الدراسة. ويأتي هذا البحث ضمن خطة وطنية يقودها المركز الوطني للبحوث الزراعية بالشراكة مع العديد من الباحثين في الجامعات الأردنية لتوثيق الخرائط الجينية لعدد من النباتات والحيوانات المزرعية؛ حيث تم فكّ ونشر الخريطة الوراثية للنحل البلدي وأيضاً تسجيل الشيفرة الوراثية ومرجعية المركز الوطني للبحوث الزراعية لسلالات أغنام العواسي الأردنية المحسنة.
وأوضح الدكتور حسين مقدادي، الباحث في مجال الوراثة والتقنيات الحيوية في المركز الوطني للبحوث الزراعية، أن المهراس يعتبر أصلاً عريقاً حافظ على كيانه عبر العصور، إلا أن هنالك أمر هام أيضاً، حيث أثبتت البصمة الوراثية له التنوع الوراثي الغني والفريد بين الطرز الوراثية للزيتون في حوض المتوسط، مع ميّزات جينية ذات دلالات هامة لقدرات المهراس على التكيّف مع التغيرات المناخية والبيئات القاسية والحفاظ على نوعية زيت مميزة.
رئيس قسم البستنة في الجامعة الأردنية د. منذر الصدر، بيّن أن من أهم نتائج هذا المشروع تعظيم الاستفادة من الأصول الوراثية الأردنية عن طريق المؤشرات الجغرافية لزيت المهراس الموثّق، وأضاف أن نتائج التسلسل النيكلوتيدي لجينوم المهراس قد بيّنت امتلاكه لتنوع وراثي فريد على المستوى الجزيئي، وأن هناك كمّاً هائلاً من الطفرات التي حدثت على أشجار الزيتون عبر السنين فاق عددها بحسب الدراسة 15 مليون طفرةً هامةً؛ كان منها حوالي نصف مليون طفرةً في المناطق الجينية ذات التأثير الكبير بتغيير الأحماض الأمينية.
من جانب آخر بيّن د. محمد بريك، المختص في التقنيات الحيوية في جامعة جرش، أهمية الربط بين مخرجات هذه الدراسة والاكتشافات الأثرية التي أثبتت أن أقدم مستوطنات بشرية عرفت أشجار الزيتون كانت في قرية ‘هضيب الريح الأردنية’ في وادي رم والتي يعود تاريخها إلى 5400 عام قبل الميلاد، الأمر الذي يسعى المركز الوطني للبحوث الزراعية إلى توظيفه لصالح قطاع الزيتون الأردني، بحسب باحث الزراعة المعمرة م. يحيى أبو صيني، من خلال تعزيز الميزة النسبية والقيمة المضافة لزيتون المهراس الأردني المعمّر.
وبيّن مدير مديرية بحوث البستنة في المركز الوطني للبحوث الزراعية د. سلام أيوب أن نتائج الدراسات التي نفذها المركز الوطني للبحوث الزراعية أثبتت ارتفاع نسبة الزيت في ثمار زيتون المهراس والتي تصل إلى 30%، وهي من أعلى النسب لأصناف الزيتون في العالم، كما يتميز زيت المهراس بتركيب مميز للأحماض الدهنية مع ارتفاع نسبة حمض الأولييك والتي تبلغ 70% وتضاهي الأصناف العالمية، إضافةً إلى الخصائص الحسية والنكهة الفاكهية المميزة لزيت المهراس تحديداً.
وعن سبب اختيار اسم “المهراس” بدلاً من الزيتون الرومي، أشار د. نزار حداد أن الموروث الثقافي، وبخاصة في محافظة عجلون، يميّز بين أحجام أشجار الزيتون حيث يُطلق اسم “عود” على الشجرة غير المعمّرة، واسم “القرعود” على شجرة الزيتون المعمّرة متوسطة الحجم، في حين أن اسم “المهراس” يطلق على الزيتونة المعمّرة كبيرة الحجم التي تحتاج لأذرع ثلاثة رجال لتطويقها، حيث يشترط البنك العالمي للجينات أن يتم منح أسماء محلية للجينوم الكامل أو رمز يميزها عن باقي المُدخلات. ومن ناحية أخرى، يسعى المركز إلى تعزيز الميزة النسبية في سلسلة القيمة الاقتصادية لأشجار الزيتون وزيتها ومنتجاتها وتوظيفها في السياحة البيئية الزراعية.
وأضاف د. حداد أن المركز قد وضع خطةً وطنيةً لإنشاء ثلاثة مجمّعات وراثية لزيتون المهراس، كما أنه سيتم وبالتعاون مع الزملاء في مشاتل وزارة الزراعة، إنتاج أشتال من زيتون المهراس لغايات نشره بين المزارعين، وذلك لتفوقه في عدد من الخصائص حتى على صنف النبالي واسع الانتشار في الأردن، كما وتشير إحصاءات وزارة الزراعة إلى تقدير عدد أشجار الزيتون في الأردن بنحو 18 مليون شجرة. كما وأوضح أن المركز ينفذ عدداً من المشاريع البحثية التطبيقية لتحسين الإنتاجية والكفاءة والجودة والتنافسية زيت الزيتون الأردني على المستوى العالمي، ويقدم خدمات تحليل زيت الزيتون مجاناً للمزارعين.
ويُذكر أن عشرة باحثين أردنيين في تخصصات وخبرات علمية مختلفة قد شاركوا في هذا البحث.