أجرى الدكتور هيثم علي حجازي من كلية الأعمال بجامعة جرش والأستاذة الدكتورة دلال الزعبي من جامعة البلقاء التطبيقية / كلية إربد وفريق من الأساتذة الجامعيين العاملين في عدد من الجامعات الأردنية بحثا علميا للتعرف على أثر استخدام التعليم الإلكتروني على الشعور بالاحتراق الوظيفي لدى أعضاء الهيئات التدريسية في الجامعات الأردنية خلال جائحة كورونا. وسيتم خلال هاتين الحلقتين نشر أبرز ما توصلت إليه الدراسة، بهدف محاولة تحسين تجربة التعليم الإلكتروني والوصول بها إلى أفضل مستوى ممكن تفاديا لازدياد شعور أعضاء هيئة التدريس بالاحتراق الوظيفي.
تألف مجتمع الدراسة من جميع أعضاء الهيئات التدريسية العاملين في الجامعات الرسمية والخاصة الأردنية لعام 2021 من جميع الرتب الأكاديمية العاملة في الجامعات المذكورة.
وقد توصلت الدراسة إلى أن المستوى الكلي للتعليم الإلكتروني خلال جائحة كورونا في الجامعات الرسمية والخاصة في الأردن جاء متوسطا، كما أن مستوى التعليم الإلكتروني في معظم المجالات كان متوسطا كذلك باستثناء مجال البنية التحتية الذي جاء عاليا بأعلى متوسط حسابي تبعه مجال فاعلية العملية التعليمية، ومن ثم مجال تقييم تحصيل الطلبة وكان ادناها لمجال فاعلية التعلم عن بعد. وقد دلت النتيجة الكلية والتي جاءت بمستوى متوسط على أن الجامعات الرسمية والخاصة تعاني وبشكل معتدل من التعليم الإلكتروني خلال جائحة كورونا وهذا أمر لا يستهان به نظرا لأهمية الاستمرارية في عملية التعليم في الجامعات في ظل الظروف الطارئة وبشكل يلبي طموحات هذه الجامعات واهدافها في الحفاظ على نوعية الخريجين وامتلاكهم للمهارات والقدرات اللازمة التي تؤهلهم للدخول إلى سوق العمل بقوة واحترافية. لذا فان هذه النتيجة تحتاج من إدارة الجامعات الانتباه لها، لما لها من تأثير على أداء أعضاء هيئات التدريس وعلى أداء الطلبة وبالتالي أداء الجامعة. وقد تفسر هذه النتيجة بوجود ضعف في مهارات التعليم الإلكتروني لدى أعضاء هيئات التدريس والطلبة كذلك ناتج عن العديد من العوامل وربما كان أبرزها عدم استخدام التعليم الإلكتروني سابقا من قبل العديد من أعضاء الهيئات التدريسية والطلبة لان إدارة بعض الجامعات لم تركز على هذا الموضوع ولم تجعله أحد المتطلبات الأساسية في التعليم. فقبل جائحة كورونا كان التعليم الوجاهي هو المسيطر وكان استخدام التعليم الإلكتروني بمستوى متدن من قبل العديدين في هذه الجامعات، رغم توفير معظم الجامعات لبنية تحتية ومنصات تعليمية واشتراكات إنترنت مناسبة. وقد دلت النتيجة التي حصل عليها مجال (البنية التحتية) والذي جاء بمستوى عال على ذلك. فقد أشار أفراد العينة من خلال اجاباتهم على مقياس التعليم الإلكتروني إلى سهولة الدخول والخروج من المنصة التعليمية وسهولة تبادل المواد التعليمية بين المدرسين والطلبة، كذلك تقديم الجامعة للدعم الفني والتقني المناسب لتسهيل عملية التعلم والتعليم.
اما فيما يتعلق بالمجالات الثلاثة الأخرى (فاعلية العملية التعليمية، تقييم تحصيل الطلبة، وفاعلية التعلم عن بعد) والتي حصلت على مستوى متوسط فقد يعود ذلك الى صعوبة التواصل الجيد ما بين المدرسين والطلبة لأسباب مختلفة ربما من أبرزها المشكلات الفنية في شبكة الإنترنت لدى الطلبة على الأغلب لان أماكن سكناهم موزعة جغرافيا على مناطق قريبة وبعيدة بحيث ان تغطية الشبكة لا تكون واحدة لدى الجميع. كما أن الجامعات لم تدعم الطلبة بتوفير شبكة الإنترنت لهم، والكثير من الطلبة من مستوى اقتصادي متدن لا يستطيعون توفير النت على مدار الأسبوع، الأمر الذي يدفع بهم احيانا للتغيب عن الدروس، إضافة إلى أن درجة توافر الرقابة اثناء الدروس ليست بالمستوى المناسب نظرا لصعوبة التأكد من أسباب عدم دخول الطلبة إلى الدرس أو الامتحان فمنهم من يدعي أن الانقطاع يحدث لديه باستمرار ويضطر إلى إعادة الدخول لأكثر من مرة.. الخ من العوامل والأسباب. هذا ولا بد من الاشارة إلى أن البيئة التعليمية في التعليم الإلكتروني لا تعد بيئة مناسبة تماما وخاصة بالنسبة للطلاب، فكما هو معروف فان نظام الأسرة في المجتمع الأردني لا يوجد به خصوصية كافية للطالب لكبر حجم الأسر، واشتراك أكثر من فرد بنفس الغرفة ووجود أكثر من طالب بنفس الأسرة سواء في الجامعة او المدرسة مما يضطرهم الى استخدام شبكة الإنترنت بنفس الوقت والذي يضعفها، اضافة إلى عدم توفر جهاز خاص لكل طالب في كثير من الأسر الفقيرة. كل هذه العوامل تجعل من عملية التفاعل ما بين الطلبة والمدرس أكثر صعوبة من التعليم الوجاهي. يضاف إلى ذلك إلى ارتفاع أعداد الطلاب في الكثير من المساقات الدراسية وصعوبة السيطرة اثناء الامتحانات على عمليات الغش وسلامة الإجراءات مما أدى إلى أن تكون نتائج التقييم غير حقيقية تماما. والقضية الأهم ربما هي عدم اعطاء كل طالب الوقت الكافي للتفاعل وابداء رأيه والمشاركة، وهو أمر قد يكون صعبا في ظل هذه الظروف وخاصة التفاعل ما بين الطلبة أنفسهم. لذا إذا ارادت الجامعات انجاح التعليم الإلكتروني عليها وضع ترتيبات مناسبة للمدرسين والطلبة، ودعم الطلبة بأجهزة وبطاقات إنترنت كافية، بالإضافة إلى دراسة احوال الطلبة وحل مشاكلهم المختلفة، وإلاّ ستبقى هذه العملية ما بين مناسبة احيانا وغير مناسبة احيانا اخرى مما يؤثر على دافعية المدرس والطالب بنفس الوقت نحو عملية التعلم والتعليم، كما ويؤثر على العلاقات الاجتماعية لكل منهما والتي شابها بعض الخلل الناتج عن التغييرات الكبيرة للتحول من التعليم الوجاهي إلى التعليم الإلكتروني.
إن ذلك كله يدل على أن أعضاء هيئات التدريس في الجامعات الرسمية والخاصة يعانون وبشكل معتدل من الاحتراق الوظيفي بشكل عام لا يستهان به، والذي يحتاج من ادارة الجامعات الانتباه له، لما له من تأثير على أداء اعضاء هيئات التدريس وبالتالي أداء الجامعة بشكل عام. وقد يُفسر بعدم ايلاء الجامعات الاهتمام والدعم الكافي والمناسب لأعضاء هيئات التدريس والتي تتمثل بالدعم وتفهم مشاعرهم ورغباتهم فيما يخص العمل، وطبيعة العلاقة ما بينها وبينهم وبين أعضاء هيئة التدريس أنفسهم، إذ إن الإنسان وباستمرار يحتاج إلى الدعم العاطفي في المواقف المختلفة ومنها مواقف العمل، حيث ان احساسه بان من حوله يدعمونه وخاصة حال ظهور مشكلة لديه تحتاج الى دعم لتجاوزها، يسهِّل عليه التعامل مع هذه المواقف ومع المشاكل بأفضل صورة ممكنة، مما يؤثر بالتالي على صحته النفسية والجسدية، والذي يؤثر في النهاية على ادائه العام. كما ان المستوى المتوسط لمجال الإنجاز لهو أكبر دليل على أن إدارة الجامعات لا تقدم الدعم الكافي لأعضاء هيئة التدريس فيها، اذ من واجبها تشجيعهم وتحفيزهم للتطور والبحث كل في مجاله، فاذا لم يجد عضو هيئة التدريس التقدير والاعتراف المناسب للجهود الشخصية التي يبذلها فانه بالتالي سيشعر بعدم اهمية ما يقوم به بالنسبة للجامعة، وسيتدنى الإنجاز لديه دون أن يشعر بذلك.
أما فيما يتعلق بمجالي (الانهاك العاطفي، وتبلد المشاعر الشخصية) والذي جاءت نتيجتهما متوسطة أيضا ، فربما يعزى ذلك إلى أن أعضاء هيئة التدريس في الجامعات هم أشخاص على قدر من المعرفة والعلم الذي أهلهم للوصول الى هذه المرتبة الأكاديمية وبالتالي لديهم التوازن النفسي اللازم الذي يحميهم من الوصول إلى درجة تبلد المشاعر الشخصية، اذ تعتبر مهنة عضو هيئة التدريس في الأردن من المهن التي تلقى احتراما كبيرا من المجتمع، والذي له أثر كبير على رضا عضو هيئة التدريس عن ذاته ورضاه عن مهنته، وهذا يساعد على إحداث التوازنات لديه في مشاعره وعدم استسلامه للمشاعر السلبية.
بقلم الدكتور هيثم حجازي/كلية الأعمال