بقلم الأستاذ الدكتور بشير جرار
يحتفل العالم سنوياً باليوم الخامس من حزيران بيوم البيئة العالمي الذي يُشرف عليه برنامج الأمم المتحدة للبيئة (UNEP) منذ عام 1973م. وتستضيف هذا العام (2023م) دولة ساحل العاج الفعاليات الاحتفالية بهذه المناسبة التي ينظر لها كمنصة إعلامية للتوعية العامة بشأن القضايا الملحة لا سيما التلوث البيئي والتغير المناخي والاحتباس الحراري والتنوع الأحيائي وإنتهاكات الحياة البرية والتلوث البلاستيكي والأمن الغذائي وغيرها. وجدير بالذكر أن دولة ساحل العاج حظرت استخدام الأكياس البلاستيكية منذ عام 2014م، وتحولت إلى العبوات القابلة لإعادة الاستخدام والتدوير كأحد وسائل دحر التلوث البلاستيكي. يحتفل العالم في 150 دولة بهذه المناسبة لهذا العام تحت شعار (دحر التلوث البلاستيكي).وفيما يلي بعض مؤشرات التغيرات البارزة في واقع البيئة العالمية لعام 2023م:
□ التلوث بالمواد البلاستيكية
بدأ الإنسان بإنتاج المواد البلاستيكية المصنوعة من الوقود الأحفوري قبل أكثر من قرن بقليل وتسارع إنتاج وتطوير الآلاف من المنتجات البلاستيكية الجديدة بعد الحرب العالمية الثانية. وقد أحدثت المواد البلاستيكية ثورة في الطب باستخداممها الأجهزة المنقذة للحياة ، وجعلت السفر إلى الفضاء ممكنًا ، وخفف السيارات والطائرات – مما وفر الوقود والتلوث وأنقذ الأرواح بالخوذات والحاضنات ومعدات مياه الشرب النظيفة. وبالمقابل،أصبح التلوث البلاستيكي أحد أكثر القضايا البيئية إلحاحًا ، حيث فاقت مخلفات المنتجات البلاستيكية قدرة العالم على التعامل معها. يظهر التلوث البلاستيكي بشكل واضح في الدول النامية، حيث غالبًا ما تكون أنظمة جمع القمامة غير فعالة أو غير موجودة.
يُنتج العالم أكثر من 400 مليون طن من المواد بلاستيكية سنويًا، ولا يُعاد تدوير سوى أقل من 10% منها. وينتهي المطاف بما يقدر بنحو 19 – 23 مليون طن سنويًا منها في البحيرات والأنهار والبحار. ويتأثر بسبب ذلك أكثر من 800 نوع من الكائنات البحرية والساحلية بسبب ابتلاع المواد البلاستيكية. يضر البلاستيك لا سيما الذي يستخدم مرة واحدة بصحة الإنسان والكائنات الحية والأمن الغذائي ويعيق النهضة المستدامة. زاد إنتاج المواد البلاستيكية بشكل كبير ، من 2.3 مليون طن في عام 1950 إلى 478 مليون طن بحلول عام 2022م. ومن المتوقع أن يتضاعف الإنتاج بحلول عام 2050م. وتحتوي المواد البلاستيكية على مواد مضافة تجعلها أقوى لكنها تطيل من عمرها وتحتاج 400 عام على الأقل للتحلل.
□ التغير المناخي الإحتباس الحراري
من المتوقع أن يصل تركيز ثاني أكسيد الكربون في الغلاف الجوي هذا العام (2023م) ما يقارب 419.2 جزء في المليون وبإرتفاع نقطتين عن العام الماضي 417.2 جزء في المليون. وقد أضاف النشاط البشري في الخمسين عامًا الماضية 100 جزء من المليون من ثاني أكسيد الكربون إلى الغلاف الجوي بمقدار نقطتين تقريبًا كل عام. ويعني ذلك أنه بغضون 100 عام قادمة سننتهي عند 600 جزء في المليون من ثاني أكسيد الكربون في غلافنا الجوي.
تحبس إنبعاثات الغازات الدفيئة حرارة الشمس مما يؤدي إلى الاحتباس الحراري وتغير المناخ. ترتفع درجة حرارة العالم حاليا بشكل أسرع من أي وقت مضى. وأدى ذلك إلى تَغيُّرات في أنماط الطقس واضطرابات في توازن الطبيعة المعتاد ورافق ذلك مخاطر عديدة على البشر وجميع أشكال الحياة الأخرى على الأرض. وفي تحديثها السنوي للمناخ، أشارت المنظمة العالمية للأرصاد الجوية إلى أنّه بين عامي 2023 و2027، ثمة احتمال بأن ترتفع درجة حرارة الكوكب بمقدار 1.5 درجة مئوية فوق مستويات ما قبل الثورة الصناعية. وتشير تقديرات الدوائر البيئية إلى أن عدد الأشخاص المعرضين لموجات الحر الشديدة سنوياً يصل حتى 420 مليون شخص.
تزيد درجات الحرارة المرتفعة من الأمراض المرتبطة بالحرارة وتشعل حرائق الغابات بسهولة وتتسبب بالعواصف المدمرة ويؤثر ذلك سلباً على كل أشكال الحياة. وقد أدى تغير المناخ إلى الحد من وفرة المياه. وفاقم الاحترار العالمي من نقص المياه في المناطق الفقيرة بالمياه، وزيادة مخاطر الجفاف ، وضعفت النُظُم البيئية واستمر التصحر في التوسع، مما قلل من مساحة الأرض المتوفرة لزراعة الغذاء.
□ التنوع الأحيائي
يشكل التنوع الأحيائي شبكة الحياة التي نعتمد عليها في الغذاء والدواء والمناخ المستقر والنمو الاقتصادي، وغيرها من الأمور. ويصل عدد الأنواع المهددة بالإنقراض إلى مليون نوع ويرى علماء البيئة أن العديد منها ستختفي في غضون عقود. وكما تراجعت مساحة مستنقعات المنغروف التي تمتص كميات كبيرة من الكربون بنسبة 85%.
ويشكل تغير المناخ مخاطر كبيرة على التنوع الأحيائي على اليابسة وفي المحيطات. وتزداد هذه المخاطر مع ارتفاع درجات الحرارة. يفقد العالمُ أنواعَ من الكائنات بمعدلٍ أكبر 1000 مرة من أي وقتٍ مضى في التاريخ البشري. وتعد حرائق الغابات والطقس القاسي والآفات والأمراض المستجدة من أخطر المهددات للتنوع الأحيائي.
□ الأمن الغذائي
تُعدُّ التغيرات في المناخ وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة من بين الأسباب الكامنة وراء تدهور الأمن الغذائي للشعوب. تعمل التغيرات المناخية على تدمير مزارع الأسماك والمحاصيل والماشية أو تصبح أقل إنتاجيةً. وبسبب ارتفاع حمضية مياه المحيطات، أصبحت الموارد البحرية التي تغذي مليارات البشر معرضةً للخطروعطلت الإمدادات الغذائية من مصادر الرعي والصيد وصيد الأسماك. وكما أدى الإجهاد الحراري إلى تقليل المياه والأراضي الرعوية، مما تسبب في خفض إنتاج المحاصيل والثروة الحيوانية.
□ المخاطر الصحية
يشكل تغير المناخ تهديداً للبيئة وصحة البشرية من خلال تلوث الهواء، والأمراض، والظواهر الجوية الشديدة، والتهجير القسري، والضغوط على الصحة العقلية، وزيادة الجوع وسوء التغذية في الأماكن التي لا يستطيع الناس فيها زراعة المحاصيل أو العثور على غذاءٍ كافٍ. وتودي العوامل البيئية بحياة ما يقارب 13 مليون شخص سنوياً بسبب تغيير أنماط الطقس وانتشار الأمراض، وزيادة الظواهر الجوية المتطرفة مما صعب على أنظمة الرعاية الصحية مواكبة الأمر.
□ الهجرة البيئية
يزيد تغير المناخ من العوامل التي تضع الناس وتبقيهم في حالة فقر وتجرف الفيضانات الأحياء الفقيرة في المدن وتدمر المنازل والممتلكات الإقتصادية. وقد أدت ندرةُ المياه على مدى العقد الماضي (2010-2019)، المتعلقة بالتغيرات المناخية إلى نزوح ما يقدر بنحو 23.1 مليون شخص في المتوسط كل عام، مما عرض الكثيرين للفقر بشكلٍ كبير.