الأستاذ الدكتور بشير جرار في حديث مع الجزيرة نت
بعد نحو 10 أيام من دخوله المستشفى، لقي الشاب الأردني عمار عبيدات حتفه، نتيجة تمكن سم “أفعى فلسطين” من الانتشار في جسده، في محافظة أربد شمالي الأردن، والتي تعد واحدة من المحافظات التي ينتشر بها هذا النوع من الأفاعي. عبيدات لم يكن الحالة الأولى من نوعها، إذ عادةً ما تتسبب “أفعى فلسطين” في عدد من الوفيات في الأردن وفلسطين المحتلة، لكن العدد في فلسطين أكبر بفارق كبير، إذ يبلغ 300 حالة لدغ سنويا، حتى إن الحيوانات لم تسلم من تلك الأفعى؛ إذ يصل عدد حالات اللدغ بين الخيول والماشية إلى 130- 150 حالة لدغ سنويا وعلى الأغلب تنتهي بالوفاة، وفق دراسة نشرتها جامعة “جرش الأردنية”.
وتشير الأبحاث التي أعدها الأستاذ في علوم البيولوجيا، الدكتور بشير جرار، إلى أن أفعى فلسطين تُعد واحدة من أخطر الأفاعي السامة المنتشرة في الأردن وفلسطين ولبنان، وهي من أكثر الأفاعي المسببة لحالات اللدغ في المحيط الذي توجد فيه والتي ينتج عنها إمّا الوفاة أو بتر الجزء المصاب، وتتصدر الموقع الثاني ضمن قائمة أخطر الأفاعي في الشرق الأوسط تتقدم عليها “الأفعى المقرنة الكاذبة”.
التغير المناخي يزيد من شراستها
بالرغم من وجودها منذ أعوام طويلة، فإن ثمة تغيرات مقلقة تتمثل في انتشار “أفعى فلسطين” الواسع، فبعد أن كانت توجد في عدد من المحافظات الشمالية في الأردن مثل إربد وجرش وعجلون، أصبحت تشاهد في أطراف العاصمة عمان و في محافظات الجنوب وأطراف البادية.
الأستاذ في علوم البيولوجيا في جامعة جرش، بشير جرار، ومعد البحث في حديثه للجزيرة نت يقول: “عادة ما تنتشر أفعى فلسطين بداية الربيع وخلال شهور فصل الصيف كاملة، وتنشط خلال الساعات الأولى من الغروب وتخرج ليلا وأثناء النهار في المناطق الشجرية، وتفضل الوجود بالقرب من المنازل ولا تهوى المسطحات المائية ولا تشاهد في المناطق الصحراوية، إلا أن التغير المناخي غيّر من عاداتها”.
ويضيف جرار أن التغير المناخي وارتفاع درجات الحرارة أسهم في تقليل مدة بيات أفعى فلسطين الشتوي، فبدلا من شهرين لـ3 أشهر، أصبح يقتصر بياتها على أسابيع معدودة، وأثرت درجات الحرارة المرتفعة على تقليل فترة حضانة البيض إذ تضع 22 بيضة خلال أيام قليلة، بعد أن كانت تحتضنه من 6 إلى 7 أسابيع.
هذه جميعها عوامل أسهمت في زيادة نشاط أفعى فلسطين ليلا ونهارا، ومنحتها فرصة للظهور في البيئة لفترات أطول، وزيادة عدائها، ووصولها لمناطق أكبر لم تكن موجودة فيها قبل سنوات، إذ أصبحت تذهب لمناطق ساخنة أكثر، وفق جرار.
ويمكن تمييز أفعى فلسطين من ضخامة رأسها المثلث، وجسمها الممتلئ، وذيلها القصير. أما عن أعراض لدغتها، فتسبب ألمًا مبرّحًا في مكان اللدغة، وورما بعد ذلك، ثم تبدأ في التقرّح والاسوداد، ويعود ذلك إلى قدرة السمّ على تكسير كريّات الدم الحمراء وإتلاف شبكة الأوعية الدموية، والتسبب بنزيف دموي.
تتسبب أفعى فلسطين كل عام في 60 حالة لدغ بالأردن، ويبلغ عدد الوفيات بمعدل 5 على الأقل، يقول جرار إن: “هذا الرقم كبير بالنسبة للوفيات، أما من يبقى على قيد الحياة، ونتيجة لعدم حصولهم على العلاج المناسب فيتسبّب عدم توفر المصل الخاص بلدغة أفعى فلسطين في الأردن لهم في عاهة أو قد يُبتر الجزء المصاب”.
ويتابع أن “تكلفة علاج اللدغة الواحدة 40 ألف دولار، لا يستطيع المواطن دفعها، وفي الحالات التي يتمكنون من الحصول عليها يكون السم قد استفحل في جسد المصاب كما حدث مع حالة الشاب عبيدات، وعادة ما يتم التعامل مع المصاب بمنحه ترياقا عامًّا إلا أنه غير كاف”.
إرث يخشى منه وعليه
تثير الأفعى تخوفات لدى الأردنيين والفلسطينيين، خلال هذه الفترة من العام، يقابلها تحذيرات من انتشارها. من جهة أخرى يقلل حقوقيون بيئيون من خطرها، ويطالبون بعدم قتلها، والحفاظ عليها كرمز وطني .
يتفق جرار مع ذلك، ويقول إن أفعى فلسطين “مهددة بالانقراض ويجب ألا تقتل عند وجودها في الطبيعة، لأن لها دورًا أساسيًّا في توازن البيئة، أما إذا وجدت في البيت فيمكن قتلها أو يترك لها المجال للخروج، و إذا شوهدت في بيئتها الطبيعية يجب أن لا تقتل ويُبتعد عنها فقط”.
وعن المطالبات بالحفاظ عليها، يؤكد جرار أن “هناك محاولات كبيرة من الاحتلال الإسرائيلي لمحو اسم فلسطين ونسبتها لهم، وبالفعل قامت حكومة الاحتلال بتغيير اسمها محليا إلى الحية الوطنية، وسعت إلى تغيير الاسم على نطاق أوسع كمحو اسم فلسطين من المصادر العلمية العالمية التي تعترف باسمها الحقيقي “أفعى فلسطين”، ولكنها فشلت في ذلك، وكانت اقترحت تغيير اسمها العلمي في أحد المنتديات العالمية ولكنها لم تستطع بعد أن تصدّى علماء البيئة النرويجيون والسويديون للفكرة”.
وتشيع العديد من الأسماء التي تطلق على أفعى فلسطين وهي (الرقطاء والربداء والزعراء والحيزاء)، إلا أن الكثيرين يصرّون على تسميتها بـ”أفعى فلسطين” نسبة للمكان التي وثقت فيه ومنعًا لسرقتها ثقافيًّا من قبل الاحتلال، وحفاظا على إرث يخشى منه وعليه.
المصدر : الجزيرة