الرئيسية / أخبار الكليّات / كليّة تكنولوجيا المعلومات / أزهار النرجس الجمال والعطر والعشق والنرجسية منذ آلاف السنين

أزهار النرجس الجمال والعطر والعشق والنرجسية منذ آلاف السنين

  بقلم الأستاذ الدكتور بشير جرار

النرجس أو “النرسيس” نوع من أنواع الرياحين، عرف منذ آلاف السنين في الحضارات القديمة من الناحيتين الطبية والنباتية منذ آلاف السنين، وهي أزهار إغريقية يونانية وصلت إلى بلاد العرب عن طريق الفرس. وتروي الأساطير القديمة أن فتى أسمه نرسيس كان معجباً بنفسه كثيرا وبينما كان ينظر لانعكاس صورته في الماء تحولت صورته إلى زهرة النرجس، لهذا تطلق صفة النرجسية على الشخص المعجب بنفسه إلى حد الغرور. وفي رواية أخرى انه تهيأ لنرسيس بأنه يرى حورية باهرة الجمال فرمى بنفسه بالبركة إليها فسقط على رأسه ومات. وعندما جاءت الحوريات لاستلام جثته وجدن زهرة فوق قميصه أسموها “نرسيس” تقديراً وتكريماً له.

     يظهر النرجس في الشتاء في المروج والغابات بعد نزول المطر وزهوره أكثر الزهور شعبية في العالم. وتحتوي زهرة النرجس على ستة بتلات وفوقها تاج على هيئة بوق تظهر عادة باللونين الأبيض والأصفر مع انسجام بين ألوان البتلات والتاج. ويضم نبات النرجس نحو 36 نوع وكان أول ظهور له بجنوب غرب أوروبا وشمال إفريقيا، وقد انقرضت بعض أنواعه وأنواع أخرى مهددة بالإنقراض بسبب التوسع العمراني في مواطنه الطبيعية. ويزهر نبات النرجس في بداية ومنتصف ونهاية فصل الربيع تبعاً لنوعه.

    نشأت شعبية زهرة النرجس بداية في أوروبا الغربية ثم ما لبثت أن إكتسبت شعبية متزايدة في أوروبا بعد القرن السادس عشر. وبحلول أواخر القرن التاسع عشر أصبحت أزهار النرجس سلعة تجاريًة مهمة يتركز استثمارها بشكل أساسي في هولندا كزهور مقطوفة وكزينة في الحدائق العامة والخاصة.

    يحتوي مستخلص أزهار النرجس على العديد من القلويدات المختلفة التي توفر بعض الحماية للنبات، لكنها قد تكون سامة عند تناولها بالخطأ. وكما تحتوي زهوره على الغالانتامين التي يستخدم في علاج الخرف والزهايمر، وهو مركب فعال للأعصاب والعضلات يضاف إلى بعض المنتجات الدوائية. وكما استخلص العرب والروم العطر من أزهار النرجس منذ آلاف السنين واستخدم الهنود عطره في تزيين أجسامهم قبل البدء بطقوس الصلاة.

ويحتفى بالنرجس على مر الأزمان في الفن والأدب، وهو أحد رموز فصل الربيع. وزهرة النرجس هي الزهرة الوطنية لويلز ورمز لجمعيات مكافحة السرطان في العديد من الدول. وترتبط ظهور أزهار النرجس البرية في الربيع بالمهرجانات في أماكن عديدة من العالم.

    تحمل أزهار النرجس تحمل مكانة مميزة في العديد من الثقافات والفنون، ولها حضور بارز في الأدب والشعر والمهرجانات العالمية. وقد استخدم شعراء العرب النرجس كرمز للجمال والصفاء. وقد فضِّل ابن الرومي النرجس على باقي الورود حيث قال:

                للنرجس الفضل المبين وإن أبى           آبٍ وحادَ عن الطريقة حائدُ

وكما وصف أحمد شوقي في قصيدته “إلى النرجس” بالبراءة والجمال الطاغي.وكما يظهر النرجس في قصيدة ويليام وردزورث (النرجس” (Daffodil كمبعث الإلهام والسرور.

      كانت أزهار النرجس وما زالت رمزاً شيقاً في اللوحات الفنية، خاصة في الرسم الانطباعي. فقد رسم كلود مونيه، على سبيل المثال أزهار النرجس في إطار أعماله التي تتناول الطبيعة والمناظر الطبيعية. كذلك أظهرت بعض اللوحات المشهورة من القرن التاسع عشر النرجس كعنصر رمزي للجمال المتجدد والبريء.

    تقام سنوياً العديد من المهرجانات على مستوى العالم احتفالاً بأزهار النرجس. وتقام أشهر هذه المهرجانات في هولندا وفرنسا والنمسا وتركيا وايران وفي المجتمعات الكردية على سبيل المثال لا الحصر. ويستعرض مهرجان للنرجس في العديد من المدن الهولندية التنوع الكبير لأزهار النرجس. وكذلك هو الحال في العديد من المدن الفرنسية لا سيما مدينة تولون حيث يقام احتفالاً خاصاً بالنرجس ويتم عرض الزهور في تنسيقات فنية وتُقدَّم عروض موسيقية وفلكلورية مرتبطة بالطبيعة.

     ويُنظر إلى النرجس في الثقافة الصينية على أنه رمز للثروة والازدهار، حيث يتم استخدامه في الاحتفالات الخاصة برأس السنة الصينية الجديدة، وكما توضع أزهار النرجس في المنازل كجزء من التقليد لجلب الحظ الجيد. وترتبط أزهار النرجس بالثقافة اليونانية وفقًا للأسطورة اليونانية القديمة، حيث يرتبط النرجس بشخصية “نرسيس”، الشاب الذي وقع في حب صورته المنعكسة في الماء حتى مات بسبب عشق ذاته. لذلك، تحمل زهرة النرجس في هذه الأسطورة دلالة على الأنا والغرور.

     تلعب أزهار النرجس بالمجمل دورًا محوريًا في العديد من الفنون والثقافات، حيث تتسم بالرمزية الجمالية والعاطفية والفلسفية ودالة على التحولات الشخصية والعاطفية.